حتة مزيكا من جوه

Friday, May 28, 2010

ملاحظات نهائية


*"حاجة الانسان إلى الإنسان حاجة مشروعة وبناءة، وهى تساوى حاجته لأن يصل ما بينه وبين العالم الأوسع والأرحب، وحاجته أن يتزود بالدفء والقدرة على مواصله الطريق الأشق والأصعب. وهى حاجة لا يملك الإنسان أن يشبعها. وهو يملك أن يشبعها طالما ظل صاحبها وسيدها لا عبداً لها"
قبل أن ألتقيك بأشهر قليلة واجهتنى الحياة بأول صفعة حقيقية على وجهى حتى تمنحنى فرصة النضوج و القيام بدورى بغض النظر عن قيام من حولى بأدوارهم او مراعاة مسئولياتهم. صفعة كانت محض "خيانة" لما يطلقون عليه حب أبدى وفطرى ومطلق، حب يبقى ما بقيت السموات والأرض.
لم أعٍ حجم غضبى حينها وسرعان ما تناسيت فنسيت وهيئ إلىّ أنى تجاوزت، إرتأيت أنى لست بإله لأصدر أحكاماً على من حولى وهم أيضاً ليسوا بملائكة.. ومن أنا حتى أصدر أحكاماً وأحاسب، وأقيّم مواقف الآخرين واحتياجاتهم ومن سأحاسب أيضاً؟!
علمت أنّى لست آهلاً لأحاسب فأخترت الأسهل وسامحت ..لكن من يملك حق السماح يملك حق العقاب..وكنت لا أملك أن اعاقب أيضاً وشعرت بعجزى عن فعل أى شئ إيذاء ما بدر منهم، ولم يكن علىّ إلا تقبل الواقع كما هو فسواء تمردت أم رضيت لن تتغير الحقائق حسب هواى.
فرضيت وقبلت لإحتياجى إلى السلام النفسى الذى سأحظى به جرّاء تقديرى لمشاكل الآخرين و تفهم احتياجاتهم
ومنحهم الأعذار والمضى قدماً كما لو لم يحدث شيئاً، هذا ما حاولت اقناع نفسى به وما لم أقتنع به أبداً.


"فى أعماق كل منا ترقد رغبة كامنة فى الموت، فى الإنزلاق إلى حالة اللاشئ والتخفف من عبء الوجود الإنسانى والمسئولية الإنسانية تجاه الذات والآخرين. وتتضح هذه الرغبة فى السعى إلى التوصل إلى مطلق ما يلغى المكان والزمان. والغاء الزمان والمكان لا يتحقق الا فى حالة الموت. ولا ينبغى أن تخيفنا هذه الرغبة فالإنسان الذى يعيها قادر على تجاوزها"
ظل شئ ما بداخلى يحثنى على أن أتقدّم، وكانت بالفعل افضل مرحلة مررت بها على المستوى الإجتماعى والنفسى وأيضاً فى دراستى فكان العام الثانى من دراستى الجامعية العام الوحيد الذى حصلت فيه على علامة جيد..وتوهمت انى تجاوزت الصدمة بدليل نجاحى العام وقدرتى على التجاوز التى كانت تتزايد يوماً عن يوم .
ولم يكن ما يحثنى إلّأ خوفى الهستيرى من السقوط. كنت أدرك بحدسى ما لم يستوعبه عقلى وقتها وإنهمكت فى الخروج من دائرة ذاتى ومشكلتى معهم حتى لا اتيح لنفسى فرصة السقوط من أعلى، لكن السقوط كان حتمياً حتى أنهض من جديد، وكل ما كنت أقوم به لم يكن سوى تأجيل ذلك السقوط وحفر جروحى لأعمق وأعمق حتى أصبح الجرح الذى خلّفه الحفر أصعب من الجرح الذى بدأت بسببه كل ذلك من الأصل.


"تنخرط تلك الرغبة فى الموت الكثير من صور الحب، أو ما نسميه حباً بين الرجل والمرأة ونحن نسمى هذه الصور من الحب توحداً والمحبان يستحيلان واحداً، وما من توحد بين ندين من بنى الانسان، التوحد يعنى وأد الذات لحساب الآخر ، أو وأد الآخر لحساب الذات."

"تحرقى للمطلق جعلنى أخلق سعادة موهومة وأعبدها، أجن فى محاولة إستعادة وهم لم يكن أبداً. تحرقى للمطلق سلبنى إنسانيتى ، حولنى إلى اللاشئ وأنا الخالق والمخلوق. تحرقى للمطلق كان فى واقع الأمر تحرقاً للموت"
بدأت رغبتى الحقيقية فى الموت تتبلور منذ أول مرة تحادثنا فيها. علمت أن شيئاً ما سوف يحدث وكان شئ ما يحدث بالفعل، وعلمت أيضاً أن ذلك ليس من جانبى فقط ومرة بعد مرة تأكدت ..إلى ذلك اليوم الذى تحدثتنا فيه عن كيفية تفجير أنفسناواتفاقنا على إستشهادنا معاً كمحاولة للتأثير فى بلد نعشقه و نعجز عن إفادته أو إفاده أنفسنا. كان ذلك أول الخيط و دليل على رغبتى تلك. لم أعِ كل ذلك بالطبع حينها كل ما شعرت به وقتذاك أنك الوحيد الذى أود أن اكون معه لحظة أموت..فعلمت أنى أحببتك. وبدأ عقلى اللاواعى ينسج خيوط سعادته الموهومة حول رقبتى شيئا فشيئاً...وهم سعادتى فى البدء جعلنى أكفر بكل من هم حولى وكل شئ غيرها..جعلنى ألغى وجود أى نظام يهدد تلك السعادة

فجعلتك المطلق الذى أردت...البلد والبيت وكل ما يمكن أن يكون لى..جعلتك الأساس وما عداك ثانويات..محوت بك كل ما علمته قبلا وإنتسبت إليك حسبما تكون وكيف شئت..لم يكن أى شئ يهم آنذاك سوى الحفاظ على تلك السعادة والحفاظ عليك حتى وإن كنت أنا نفسى الثمن..وأعطيتك كل المفاتيح لكل الأبواب التى طرقت أو لم تطرق..

"علاقات الحب /الموت هذه تنطوى من تطورات على تبادل المواقع. كنت الخالق والمخلوق الرب والقربان الوائد والموءود الشى واللاشئ"

"بدأت لعبة التوحد وأنا العابد والمعبود"
وقتها كنت تحيا أنت أيضا اصعب فترة مررت بها فى حياتك كما أخبرتنى وكما تابعتها. لم أكن فى حاجة لمعايشتها بتفاصيلها كى أقرر أن أمنحك بلا حساب. غربتك كانت تكفينى لأن أمارس دور الإله المانح ..إحتياجك النفسى إلىّ لم يترك لى أن أكون لك بتعقل أو تروى.. كنت أعتقد أن منتهى العطاء هو أن اكون لك كما تريدنى وأن أى رغبة بداخلى لأرى الحياة بمنظورى هى بمثابة تخلى عنك..فآثرت التخلى عن منظورى على أن أخذلك..هكذا تصورت، وهكذا استمرت لعبه توحدى بك..وانفصالى عن كل ما يهدد هذا التوحد و تخليت عن ذاتى وانفصلت عنها جزءاً فجزء إلى أن وصل الأمر إلى عدم قدرتى على ممارسة أبسط نشاطاتى اليومية مالم أحادثك ومالم أعلم ماذا تفعل الآن.



"الرغبة فى امتلاك الآخر تستوى والرغبة فى أن يمتلكنا الآخر، والوضعان وجهان لنفس العملة: محاولة لرفض الحياة المحكومة بالتغير ونسبية الأشياء"

"حاجة المالك والمملوك إلى الآخر تساوى الحاجة إلى تغييب الواقع الحى، إلى وقف الحركة، إلى تثبيت المتغير، إلى المزيد من الإنغماس فى حالة العدم، وهى حاجة تلغى ما عداها، وتلغى كل من يتجاوز حدود طرفى اللعبة"
ظروف إرتباطنا وطريقتها وتوقيتها جعل من عامل" الامتلاك" مبرراً لتحقيق أكبر قدر من الأمان الذى لم يكن متوافراً على الإطلاق نظراً لتلك الأميال التى كانت تفصل بيننا ونظراً للأحكام المسبقة! فكان امتلاكنا لبعضنا البعض هو السبيل الوحيد لمنع أى خوف من الفقد.. أو محاولة للتشبث بحقنا فى الإختيار وسط كل تلك الحتميات والمفروضات التى نحياها كل يوم. أتحت لك إمتلاكى لتوهمى أنى إمتلكتك فى المقابل..ولعب كل منا دوره وتبدلت المواقع وتحولت الأمور ولم نعد نعرف فيما نحرث نحن حتى أصبح كلاً منا عابد ومعبود لذاته وللآخر فى آن واحد وكلما زاد الإمتلاك زاد إيمانى بالمطلق - بك- وازداد فنائى فيك.

وكلما زاد الإمتلاك كثرت التنازلات ..وكان لابد لها، ولم أكن أملك التراجع ولم يخطر ببالى أن أتراجع ..لم يكن أمامى سوى الإستمرار فى الفناء حتى النهاية..نهاية لعبة "المطلق المستحيل"، و نهايتنا معاً.


"فى بئر ضيقه ينتفى فيها العالم ولا يكون، تدور لعبة الموت الدامية، وينهد العالم ولا يكون إلا إذا أفلت أحد طرفى اللعبة من البئر، أو شاء أن يبدأ اللعبة مع طرف ثالث"
يوم ما تفرض الحقيقة ذاتها ولا تسمح بأى اوهام تسيطر على الموقف ولا يملك أحد أن يوقفها إذا ما قررت أن تظهر نفسها. فقوتها كفيلة بأنقلاب الموقف رأساً على عقب وفى حالتنا هذه فلنقل وضع كل شئ فى مكانه الصحيح واعطاء كل ذى حقٍ حقه. بدأت تشكل نفسها دون أن نعى ذلك تماماً..وبدأت أنت تضيق باعتمادى عليك بدأت تمل استحالة وجودى بدونك..وبدأت محاولاتى لاسترجاع ما أفقد بالتدريج ..وكلما اتسعت الهوة بينى وبين مطلقى المستحيل زاد جنونى إلى أن زاد الألم على طاقتى فكشف لى أنى لست بإله وتغلبت علىّ طبيعتى البشرية وضجرت بضعفى وضقت بمعاصيك فيئست أنت من رحمتى وكفرت بى

سئمنا معاً المنح والحرمان..الرد والصد..وقررنا التوقف دون أن نتفق عن ممارسة دور العابد والمعبود أياً كان دور كلاً منا ..قررنا أن نتوقف وحسب ولتخرب الدنيا أو تنصلح...


" لا يملك أحد أن يقتل أحداً: عروس النيل تقتل راضية..تنزلق إلى المياة مستسلمة، يطويها الموج منتشية بأمل التوحد مع المعبود بأمل أن تصبح المعبود"
أدرك الآن انك لم تشوهنى كما توهمت كل تلك الفترة التى انقضت منذ انفصالى عنك حتى وان كنت على استعداد للعب دور المعبود فأنا كنت أيضاً على استعداد للعب دور المنتشى الغائب عن الوعى كذلك الذى يترنح من النشوة فى حلقة ذكر...



"ليس من السهل أن يتوصل الإنسان إلى حقيقة أن ما سماه حباً كان ضياعاً، وما سماه عطاء كان فناء فى الآخر ووأداً للذات، وما سماه توحداً كان موتاً"
الآن فقط أدرك أنى تعافيت من ذلك أياًَ كان مسماه، لم يعد يهم الآن ...بعد كل شئ أدرك تماماً أنى شفيت من تلك الرغبة العارمة فى الفناء وتجاوزت رغبتى فى الموت..لدى حياة لا أريد أن أضيع منها لحظة واحدة ..ولا أملك إلا أن أتمنى لك التحقق والرضا ....بكل ذرة فى تكوينى أتمنى لك ان تسعد..

" العلاقات الإنسانية الحميمة تساعدنا على الخلاص ولا تشكل الخلاص، وهى تساعدنا على التوصل إلى معنى الحياة ولا تشكل المعنى. المعنى يكمن فى عمل يصلنا بما هو خارج عن الدائرة الضيقه لوجودنا الفردى الضيق"

" تأتى علىّ أن أبنى من جديد، كما يبنى الطفل لأول مرة بيت بالمكعبات، نظام قيم الإنسان التى لم تكن بقيمى، وأنا بلا وعى أفنى وجود الآخر فى وجودى، وأنا بلا وعى أفنى وجودى فى وجود الآخر، وأسمى الفناء توحداً ومطلقاً وسعادة فوق سعادة هذه الدنيا"

"بإختصار تأتى علىّ أن أولد من عدم وأن أكون، أن أبذر بذورى فى الأرض، فى أعمق أعماق الأرض حتى لا تدوسها الأقدام. ولن يعاودنى الإطمئنان حتى أستشعر جذورى عميقة خشنة فى أحشاء الأرض"

*مقتطفات من " الشيخوخة" لطيفة الزيات





ليست الفراشة وحدها هى التى تحوم حول النار التى تحرقها...أنك تجد نفسك مندفعاً نحو هذا الذى تحذر منه أو تخشاه بقوى مجهولة أكبر وأقوى من أية مقاومة يجندها العقل

فتحى غانم-حكاية تو

Tuesday, May 25, 2010

about Being & Absence


32weeks later after ur absence

still got ur smell under my skin

it doesn`t matter how far we r

or how it seems impossible

i`m always having u deeply

wiz

every breath i`m taking in

CAPTURED BY NOHA REDA

زيارة

إهداء للغايب
أنا واحده ماتت
جايه من الصفحه اللى فاتت
نازله من حبر القلم
من غير نغم
ما تستعجلش على رزقك
النغم جاى ورايا
جاى معايا
لكن فى الأول لازم تفرد وشك
بصّ حواليك كده
حتلاقى الدنيا مش متأكده
من الوزن والقافيه
لا الحزن بيموّت
ولا السعاده صافيه
جو الدنيا ضبابى
ولا حدّ حاسس بحضورك
ولا حدّ حاسس بغيابى
مش عاوزاك تتكلم
انت حتنـزل على السلم
حتشوفنى واقفه
باحضّر لك فطورك
حتقول لى : “صباح الخير”
تطلع من باب البيت
تلقانى جايّه أزورك
ببلوفر أخضر مفتوح
من تحته بلوزه رمادى
حتقول لى : “أهلاً وسهلاً”
مش مسموح أصلاً … بالحزن
ممكن تاخد حضن
من غير ما تموت
أنا قلت أفوت
اكمنّك مش ماسِك نفسك
والأوهام بتعاكسك
وكأن الدنيا بقت عكسك
والا انت اللى عكسها
وهى اللى مش ماسكه نفسها
انزل فى الشارع …
تلقانى عند الفكهانى
باجيب لك تفاح
- نفسك فى ايه تانى -
أنا فى العربيه معاك
فى الكرسى الورّانى
أمال فاكر ايه نجّاك
ممكن تطلبنى على التليفون
ممكن أقعد ويّاك …
نتكلّم
ممكن تزهق منىّ …
وتسلّم
وأروّح لسمايا
وتروّح لسماك
ممكن ما تشوفنيش غير فى الشباك
بين الورد البمبه
أو قاعده بقميص كستور على طرف الكنبه
أو طفله يتيمه بتلعب
أو شابه بتتعب
أو مستنيه الأتوبيس فى العتبه
أو راكبه الأتوبيس لمدينة الطلبه
أو بافرش فى الشمس كليم
أو بانفخ بشويش فى بخار طالع سقف المطبخ
وانا واقفه باشيل الريم
ممكن اجيلك زىّ الجنيّه
لمّا تنادى عليا
وانت بتغسل وشّك بالميه
أو مع أول ضىّ
لمّا تشم النور مع لسعة برد الفجريه
أو لمّا تخاف ع الدنيا
وتجسّ قورتها علشان تعرف حرارتها
تطلع سبعه وتلاتين
وايديك بتزوّد شرطه
أو لمّا تحضّر بالليل الشنطه
قبل الطيّاره بساعتين
وبتسأل نفسك – أنا رايح فين
انت ساعتها فى حلم
ولازم تصحى
لازم تعرف انّك رايح بكره … لبكره
والحزن ماهوش للشعرا
والموت مش حزن
و الموتى … مش صوره وذكرى
لازم تفرح بالفكره
انك عايش
وانك حتعيش
وان مفيش فى الدنيا “مفيش”
أنا عايشه معاك
ويّا النغم اللى فى قلبك
والنور اللى ملاك
وملاك موتك
وملاك عشقك
ايّاك تستعجل رزقك
رزقك جاى لك جاى لك
وانا حاستنّاك
فى الحلم الجاى
أمين حدّاد

I`ll be seein` u

I'll be seeing you
In all the old familiar places
That this heart of mine embraces
All day through
In that small cafe
The park across the way
The children's carousel
The chestnut trees
The wishin' well
I'll be seeing you
In every lovely summer's day
In every thing that's light and gay
I'll always think of you that way
I'll find you
In the morning sun
And when the night is new
I'll be looking at the moon
But I'll be seeing you
Billie Holiday

Eternal sunshine of the spotless mind












Clementine: Joel, I'm not a concept. Too many guys think I'm a concept or I complete them or I'm going to make them alive, but I'm just a fucked up girl who is looking for my own peace of mind


Don't assign me yours


Joel: I remember that speech really well
?Clementine: I had you pegged, didn't I


Joel: You had the whole human race pegged


Clementine:Probably
Joel: I still thought you were going to save me. Even after that


Clementine: I know


Clementine: You stop listening to wat`s true and wat`s true is constantly changing


Joel: I can't see anything I don't like about you
Clementine: But you will, you will think of things and I'll get bored with you and feel trapped because that's what happens with me


Joel: Ok


Clemetine: ok


PAUSE

.................

Monday, May 24, 2010

Heal yourself






How happy is the blameless vestal`s lot
The world forgetting, by the world forgot
Eternal sunshine of the spotless mind
Each prayer accepted, and each wish resigned
"Alexander Pope"

Thursday, May 06, 2010


"إن واجبنا أن نخلق لأنفسنا صورة جديدة للحياة، صورة خاصة بنا، صورة هى لنا نحن، مستمدة من أرضنا، نابعة من روحنا، ممنوحة من تقاليدنا الشعبية"

فيدور دوستويفسكى

Monday, May 03, 2010

تصوير داخلى

اقرر أن اكتب عن أبى، احضر قلمين أحمر ورصاص أضعهم أمامى واحضر دفتر تدوينى وافتحه على صفحة جديدة، اكتب فى نصف السطر أبى بين علامتى تنصيص، لكن لا يأتى أى كلام....اترك الدفتر وافتح النافذة آمله أن يأتينى المدد مع لفحات الليل الباردة...ثم اترك المكان كله واذهب لصنع كوب من القهوة فدائماً ما تأتينى القهوة بالمزيد من السهر والفقد والكلمات...لكن لا يأتى أى كلام...
والآن يرن المنبه كأنما ينقصنى تشتت فاذهب لأغلقه وأوقظ أبى حتى لا يتأخر على موعد جلسته
أبى مريض بالفشل الكلوى، يذهب لجلسة الغسيل ثلاث مرات أسبوعياً، أصيب أبى بهذا الفشل كتابع من توابع مرض السكر الذى أصابه منذ 23 عاماً بعد متتالية أحزان بعد موت جدى ولعدم إنتظامه فى جرعات الأنسولين وعدم إتباع نظام غذائى يراعى إحتياجات جسده أصابه هذا الفشل المزمن فى كليتيه...يدور كل ذلك فى رأسى فى المسافه بين الصالة وحجرة نوم أبى وأمى..يسألنى أبى عن الساعة فاقول له أن الفجر قد أذن وتستيقظ أمى من صوتنا و تنهض كى ترافقه إلى جلسته.
أقف فى الشرفة وأستمع للمصلين وهم يؤدون صلاة الفجر..انظر إلى السماء وأسئلها لم كل هذا التأخير؟ وكم على أن أنتظر؟؟ ثم اعود لدفترى لعلى أجد الاجابة قد حضرت...أرى أمى وهى تمر من أمامى وتسألنى إن كنت أريد شاياً بلبن معها فأرفض وتولينى ظهرها...أتأملها بعينى وهى تتحرك ببطء وتخرج علاج أبى وتضعه فى حقيبة يديها..أتأمل ارتجافة قلبها على أبى و التعب فى عينيها، ذلك التعب الذى لا يضيع بالنوم ولا الضحك...تنام وتصحو به كل صباح لا استطيع أن أبعد عينى عنها وهى تذهب إلى المطبخ....أخبرها أنى ساذهب لمرافقته بدلاً منها...واذهب لأرتدى ملابسى..
انزل مع أبى ونمشى الى أخر الشارع ، أضع سماعات الأذن واسمع حازم شاهين وضرباته القوية على العود..واضيع بها ويساعدنى ذلك الهدوء النسبى للشوارع فى ذلك التوقيت...حيث لا أصوات سوى حفيف أوراق الشجر ونباح الكلاب على أى عابر أو على أصداء أصواتهم لاعتقادهم أن ثمة كلب أخر فى مكان ما لا يرونه ينبح لهم فيردون عليه
نقف ننتظر مجئ (ميركوباص) لميدان الألف مسكن..تقف عربة لنا ولا يكون فيها سوى شخصين أو ثلاث وربما أحد عساكر الجيش يذهب لآداء خدمته، نصل الى الميدان ومن هناك نستقل اول حافله للشيراتون حيث مركز الغسيل الذى يتابع فيه أبى...
نصل إلى المركز نجد الممرض طارق ومريض أخر حضر قبلنا بنصف ساعة تقريباً...أشاهد أبى وهو يتمدد على كرسى جلد كبير وبجانبه ماكينه الغسيل ذات الخراطيم المتدلية من الجوانب...يركب له طارق الممرض خرطومين فى ذراعه اليسرى...خرطوم يخرج منه الدم الملوث ويمر فى الفلتر وبعد أن ينقى تماماً من كل تلك السموم التى عجزت الكليتين عن تخليص جسد أبى المسكين منها تمر فى الخرطوم الثانى ومنه إلى جسد أبى نظيفة...أنتظره بالخارج على أحد الكراسى الرمادية البلاستيك المصفوفة جنب بعضها البعض ...أحاول أن أقرأ شيئاً فأمل بعد نصف ساعة ويمر الوقت بطيئاً...أتذكر تدوينتى الجديدة عن أبى فأحاول أن اكتب سطراً واحداً حقيقياً وبعدها سوف يأتى الوحى ..لكنى لا اكتب سوى" عاوزة اروح انااااااام" ، أتراجع عن المحاوله واكمل قراءة تلك السطور التى لا افهم منها كلمة واحدة....يظل أبى 4 ساعات ممداً على ذلك الكرسى يغفو خلالها قليلاً ويفيق ..يداعب زملائه فى الحجرة ويتحدثون عن كل شئ...أتابع أحاديثهم وأرتاح لإندماجه معهم وإنشغاله عن آلامه بالضحك...وأخيرا تنتهى الجلسة ..يخرج أبى منها متعباً واعرف ذلك من نبرة صوته الواهنة...يظل يغالب ذلك التعب بمداعبته إياى والسخرية من كل شخص يعبر بجانبنا...أبادله دعابته والضحك معه ونقف ننتظر حافله بعد أخرى ...بعد حوالى ساعة نصل إلى البيت وتكون أمى قد ذهبت لعملها ولا أحد مستيقظ سواى أنا وأبى ..أحضر له الفطار وجرعه الأنسولين ودواء المعدة والضغط...يفتح أبى التلفاز ويتابع برنامجه المفضل وهو يأكل وأتابعه أنا بعينى وهو يتناول فطوره ببطء وتأنى شديدين حذراً وهو يستعمل يده اليسرى كأنها من زجاج يخشى أن يكسره..بعد أن أصنع له نصف كوب من الشاى..يدخل ليستريح بعد تلك الجلسة الشاقة..وأسأله إذا كان يريد شيئا قبل أن ينام ..أعتقد الآن أنى ممتلئه بالكثير لأكتبه عن أبى ..احضر قلمين أحمر ورصاص أضعهم أمامى واحضر دفتر تدوينى وافتحه على صفحة جديدة ...لكن لا يأتى أى كلام فأغلقه واذهب لانام بجوار أبى....